ما بين عامي 1861 و1865، عاشت الولايات المتحدة الأميركية على وقع أكثر فترة دموية بتاريخها. فعقب إعلان عدد من الولايات الجنوبية انفصالها وخروجها عن الاتحاد لتشكيل ما عرف حينها بالولايات الكونفدرالية الأميركية، اندلعت يوم 12 أبريل 1861 الحرب الأهلية تزامناً مع قيام جنود الكونفدرالية بمهاجمة مواقع تابعة للاتحاد كحصن سمتر (Sumter) بتشارلستون بولاية كارولينا الجنوبية.
كما استمرت هذه الحرب لنحو 4 سنوات وانتهت بعودة الولايات الجنوبية للاتحاد وإجهاض العبودية وأسفرت عن مقتل أكثر من 600 ألف أميركي.
في الأثناء، لعب التلغراف دوراً هاماً في حسم هذه الحرب لصالح الشماليين حيث استغل هذا الاختراع بشكل جيد من قبل الاتحاديين لنقل المعلومات والأوامر كما اعتمد عليه الرئيس الأميركي السادس عشر أبراهام لنكولن بشكل مكثف لمتابعة مجريات المعارك والتواصل مع المسؤولين العسكريين والسياسيين.
20 ألف كلم من خطوط التلغراف
إلى ذلك، سجّل التلغراف ظهوره قبل حوالي عقدين من بداية الحرب الأهلية الأميركية. فسنة 1844، تمكن المخترع الأميركي صمويل مورس (Samuel Morse) من إرسال أول تلغراف بشكل ناجح. في الأثناء، تباطأت السلطات الفيدرالية الأميركية في تعميم استخدام هذا الاختراع الذي سهّل لاحقاً حياة الأميركيين.
وقبل فترة الحرب الأهلية، اضطر المسؤولون الأميركيون للاصطفاف رفقة بقية المواطنين بمراكز التلغراف لإرسال برقياتهم. ومع اندلاع الحرب الأهلية، أسس الجيش الأميركي فيلق التلغراف الذي تكفّل بإنجاز مهمة صعبة عمد من خلالها لتركيز أكثر من 20 ألف كلم من خطوط التلغراف بساحات المعارك. وبفضل ذلك، أرسلت العديد من البرقيات بشكل سريع جداً من جبهات القتال نحو مكتب التلغراف بمبنى إدارة الحرب الذي ركز على مقربة من البيت الأبيض خلال مارس 1862.
لنكولن ينام بمكتب التلغراف
في فترة الحرب الأهلية، قضى الرئيس الأميركي أبراهام لنكولن، الذي عرف بتأييده للاختراعات والاكتشافات العلمية وامتلك بدوره شهادة براءة اختراع، فترات طويلة بالمكتب قرب آلة التلغراف.
وبناء على ما نقله المسؤول بمكتب التلغراف ديفيد هومر باتز (David Homer Bates)، مكث لنكولن كثيراً عند مكتبه بغرفة التلغراف وانتظر بشغف الرسائل القادمة من الجبهة التي نقلها إليه العاملون بالمكتب عقب تحويلها اعتماداً على شفرة مورس. فضلاً عن ذلك، تجوّل الرئيس الأميركي بمكتب التلغراف كل ليلة ولم يتردد في النوم هنالك وانتظار الأخبار القادمة من الجبهة أثناء المعارك الحاسمة.
إلى ذلك لم يعتمد لنكولن خلال العام الأول من فترته الرئاسية، كثيراً على التلغراف حيث أرسل حوالي برقية واحدة كل شهر. وأمام احتدام المعارك على الجبهة، ارتفع عدد البرقيات التي أرسلها لنكولن بشكل كبير. فيوم 24 مايو 1862، أمطر الرئيس جنرالاته بكثير من البرقيات التي حثّتهم على التحرك ضد الجنرال الكونفدرالي توماس جوناثان جاكسون (Thomas Jonathan Jackson).
أخبار حاسمة أثناء الحرب الأهلية
من ناحية أخرى، سمح التلغراف للنكولن بتوجيه التعليمات للجنرالات والحديث معهم بشكل مستمر حول التطورات على ساحات القتال وسهّل عمليات إرسال الإمدادات عند الحاجة. وفي مقابل ذلك، افتقر الجنوبيون ورئيسهم جيفرسون ديفيس (Jefferson Davis) لهذه الخدمة بسبب ندرة خطوط التلغراف بالولايات الجنوبية فاضطروا بسبب ذلك للاعتماد على الطرق التقليدية التي اقتصرت على إرسال الرسائل الخطية.
وبالنسبة للنكولن، لم يكن مكتب التلغراف مقراً للقيادة فقط. فخلال فترة الحرب، اعتمد الرئيس هذا المكان كملجأ للهرب من الحشود التي تهافتت على البيت الأبيض بحثاً عن الوظائف. أيضاً، مثّل المكتب مكاناً للحياة اليومية والاحتفالات. فمع سماعه بخبر سقوط فيكسبرغ (Vicksburg) بولاية ميسيسبي في قبضة قوات الجنرال غرانت، وزّع لنكولن الحلوى والمشروبات على العاملين بالمكتب احتفالاً بهذا النصر.
ويوم 8 أبريل 1865، أرسل لنكولن بنفسه خبر سقوط عاصمة الجنوبيين ريتشموند (Richmond) بقبضة الجنرال غرانت. لكن بعد أسبوع واحد، نقل مكتب التلغراف خبر وفاة لنكولن عقب نجاح عملية الاغتيال التي دبّرها جون ويلكس بوث (John Wilkes Booth) بمسرح فورد.
المصدر: وكالات