محمد سالم الراشد
سألني أحد الإخوة الكرام: لماذا لم يسجل حضور أي رئيس غربي لحضور افتتاح كأس العالم اليوم الأحد 20 نوفمبر 2022م في الدوحة – قطر؟
بالطبع، منذ فتره شنت حملة إعلامية غربية من مسؤولين وإعلاميين وناشطي حقوق إنسان لمقاطعة بطولة كأس العالم 2022م، وبررت تلك الحملات موقفها تارة بقضايا فساد (لاحقاً برئت قطر منها من قبل لجنة الأخلاق – فيفا)، أو تارة تجاوز قطر ملف حقوق الإنسان في العمالة التي شاركت في بناء البنية التحتية لملاعب كأس العالم، وتارة بمنع قدوم المثليين ورفع شعاراتهم، والمضحك أن بعضها برر المقاطعة بأن نظام التبريد في الملاعب يساعد على إنتاج الانبعاثات الكربونية.
أعرف تماماً أن قطر رسمياً فنّدت هذه الافتراءات عبر تصريحات وزرائها المعنيين أو إعلامها الرسمي، لكن هناك أسباباً حقيقية تتعلّق بجذور التفكير الغربي والأوروبي عن العالم الإسلامي ودوله وشعوبه، منذ مطلع نشوء الصراع بين الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي وحملات التشويه ورسم الذهنية الغربية عن المنطقة العربية الإسلامية السائد هو تضليل الشعوب الغربية بأن شعوب هذه المنطقة مجموعة من البدائيين والجهلة وسيئي الأخلاق ومتخلفين في إدارة شؤونهم وذاتهم وأمورهم واستقر الرمز الإعلامي في السينما والتلفزيون والمسلسلات على صورة العربي الهمجي المتخلف والمنغلق، وأن وسيلته الوحيدة في التنقل هي “الجمل الغبي” وأن سكناه “الخيام السوداء”، وتم تنميط العربي المسلم على أنه “صندوق بارود” أو “إرهابي”، وأن العالم لم يسلم من شرور إرهابه، ومع مرور الوقت ومع الانفتاح العولمي ورفض المنطقة العربية لشعارات المثلية والتحرير، أصبح تنميط رسم الصورة الذهنية الإعلامية الغربية عن شعوب المنطقة “شعوب تهضم حقوق الإنسان”، “وتطغى بنفطها على بيئة العالم”.
لكن استضافة قطر لكأس العالم قلب كل هذه الصورة الذهنية التي رُسمت عبر عقود من الزمن.
فقطر أثبتت من خلال خطتها الميدانية لإنشاء بنية تحتية وبرنامج تخطيطي مذهل، وفي تشييد أقوى بنية تحتية لملاعب كأس العالم، فقد أبهرت الشعوب الغربية (ومنهم المشجعون المشاركون) والإعلام الغربي بالمدنية الفائقة باستخدام الطاقة النظيفة والمدن الذكية والتقدم العمراني، فلم يجدوا تلك الخيام المتناثرة، ولا الجمال السارحة، ولا الانغلاق المزعوم، فقطر في نسختها لكأس العالم هي دولة حضارية مدنية زاهية متقدمة بين مدن خليجية مزدهرة، والأدهى أن شعب قطر والشعوب الخليجية شعوب واعية ومتحضرة وتفهم لغات الغرب والشرق، وتساهم بفعالية لإنجاح فاعلية عالمية بمستوى مدنياً متقدماً.
ولأن قطر بذلت جهوداً عملية في إظهار الإسلام والدعوة له عبر الانفتاح والحوار العالمي من خلال مشاركة مؤسسات ورموز تتعامل بكرم ومروءة وحفاوة وقيم عالية مع الضيوف المشاركين، فقد مسحت تلك الصور كل الصور الذهنية التي رسمها الغرب عن العرب والخليجيين (كصورة الإرهاب والعنف والتخلف..).
لذا فإن الإعلام الغربي وزمرته من السياسيين الغربيين، بالإضافة إلى مؤسسات حاقدة وحاسدة تخشى من أن تتأثر الشعوب الغربية بشكل خاص والشعوب العالمية بشكل عام بالتأثيرات القيمية للإسلام والكرم العربي والأفق المتقدم لشعب قطر وشعوب المنطقة الخليجية وسوف تمسح تلك الصورة الذهنية الفاسدة (التخلف – الإرهاب – الاستعباد..).
إن شهراً من النشاط الكروي سيصاحبه شهر من العمل الدعوي والقيمي ورسم صورة جديدة عن أحد مدن عالم المسلمين اليوم.
ونداؤنا لكل مسلم وعربي وخليجي أن يكونوا قدوة لأقوام قادمين ليروا حقيقتنا كمسلمين، فقد أتاحت قطر بإمكاناتها فرصة للمسلمين للاستفادة في تدعيم الصورة الذهنية للمسلمين.
ونشكر قطر وقيادتها على استغلال هذه الفرصة التي لن تتكرر وإدارة الفاعلية العالمية بذكاء وحنكة.
لذا هذا يجيب عن السؤال لماذا لم يشارك الرؤساء الغربيون لأنهم يخشون أن تضفي مشاركتهم الشرعية الإعلامية والواقعية على الإجراءات التي اتخذتها قطر في إتاحة المجال لفهم شعوب المنطقة وحقيقتها، وأن كل ما رسم الزعماء الغربيون طيلة عقود مضت من صور قد يمسح جزءاً كبيراً منها خلال شهر من خلال فاعلية كروية عالمية.
المصدر : المجتمع